يقول ابن تيمية : إن مقالة ابن عربي مبنية على أصلين :
أحدهما : أن المعدوم شيء ثابت في العدم . والثاني : أن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه .
e]olor=orange]فأما الأصل الأول فيرى ابن تيمية أنه يوافق المعتزلة والرافضة الذين يقولون : (إن كل معدوم إذا كان وجوده ممكناً فإن حقيقته وماهيته وعينه ثابتة في العدم ،لأنه لولا ثبوتها لما تميز (في العدم ) ما هو معلوم مخبر عنه ( مثل وجود الإنسان ) من غير المعلوم المخبر عنه ( مثل وجود شريك لله ) ، ولما صح قصد الله في ما يريد إيجاده ، لأن القصد يستدعي التمييز والتمييز لا يكون إلا في شيئ ثابت . لكن هؤلاء وإن ابتدعوا هذه المقالة التي هي باطلة في نفسها - وقد كفرهم بها طوائف من أهل السنة – فهم يعترفون بأن الله خلق وجودها (أي المعدومات الممكنة الوجود ) ولا يقولون أن عين وجودها عين وجود الحق . وأما صاحب الفصوص وأتباعه فيقولون : عين وجودها عين وجود الحق ، فهي متميزة بذواتها الثابتة في العدم ، متحدة بوجود الحق القائم بها .
وابن عربي إذ جعل الأعيان ثابتة لزمه وجود كل ممكن (أي كل ما هو معدوم وممكن الوجود يجب أن يوجد ) وليس هذا قول المعتزلة . وهؤلاء القائلون بأن المعدوم شيء ثابت في العدم – سواء قالوا بأن وجودها خلق لله أو هو الله – يقولون إن الماهيات والأعيان غير مخلوقة ( أي هي موجودة بنفسها من غير خالق لها ) ، وإن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته ، وقد يقولون إن الوجود صفة للموجود. [/color]
وهذا القول وإن كان فيه شبه بقول القائلين بقدم العالم ، او القائلين بقدم مادة العالم وهيولاه المتميزة عن صورته فليس هو إياه .، وإن كان بينهما قدر مشترك . فإن هذه الصورة المحدثة ( الجديدة ) من الحيوانات والنباتات والمعادن ليست قديمة باتفاق جميع العقلاء ، بل هي كائنة بعد أن لم تكن . وكذلك الصفات والأعراض القائمة بأجسام السموات ، ولاستحالات القائمة بالعناصر ، من حركات الكواكب والشمس والقمر والسحاب والمطر والرعد والبرق وغير ذلك ، كل هذا حادث غير قديم ، عند كل ذي حس سليم .
والذين يقولون بأن عين المعدوم ثابتة في القدم أو بأن مادته قديمة يقولون بأن أعيان جميع هذه الأشياء ثابتة في القدم ويقولون أن مواد جميع العالم قديمة دون صوره .
يقول ابن تيمية : واعلم أن المذهب إن كان باطلاً في نفسه لم يمكّن الناقد له من أن ينقله على وجه يُتصور تصوراً حقيقياً ، فإن هذا لا يكون إلا للحق ، فأما الباطل فإذا بين فإن بيانه يظهر فساده ، حتى يقال كيف اشتبه هذا على أحد ؟.
وإنما نشأ الاشتباه على هؤلاء من حيث رأوا أن الله سبحانه يعلم ما لم يكن قبل كونه فرأوا أن المعدوم الذي يخلقه يتميز في علمه وإرادته وقدرته ، فظنوا ذلك لتميز ذات له ( للمعدوم ) ثابتة وليس الأمر كذلك . وإنما هو متميز في علم الله وكتابه .
والواحد منا يعلم الموجود ، والمعدوم الممكن (ممكن الوجود ) والمعدوم المستحيل ( مستحيل الوجود ) ، ويعلم ما كان كآدم والأنبياء ، ويعلم ما يكون كالقيامة والحساب ، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون ، كما يعلم ما أخبر الله به عن أهل النار(ولو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه )[ الأنعام :28]... ونحو ذلك من الجمل الشرطية التي يعلم فيها انتفاء الشرط أو ثبوته .
فهذه الأمور التي نعلمها نحن و نتصورها : إما نافين لها أو مثبتين لها في الخارج ، ليس بمجرد تصورنا لها يكون لأعيانها ثبوت في الخارج عن علمنا وأذهاننا ، كما نتصور جبل ياقوت وبحر زئبق ، وإنساناً من ذهب ، وفرساً من حجر ، فثبوت الشيء في العلم والتقدير ليس هو ثبوت عينه في الخارج ، بل العالِم يعلم الشيء ويتكلم به وليس لذاته في الخارج ثبوت ولا وجود أصلاً .