ثناء حاج صالح
| موضوع: المغفرة للنفس السبت 07 يناير 2012, 7:41 pm | |
| هناك من يرى أن نسيان الماضي المؤلم بهدف تجاوزه والتغلب على مشاعر الإحباط التي يستمر بتوليدها في كياننا يمكن أن يتم بسهولة عبر المغفرة للنفس ...
فالإنسان مطالب بان يحب نفسه دون شرط .. وعليه أن يحبها ويتقبلها دون شرط أيضاً .. لذلك فالتخلص من عبء الماضي مسؤولية ملقاة على عاتقه كي يبدأ من جديد يعد كل عثرة .. لذلك فعليه ان يغفر لنفسه كل ذنب ارتكبته .. وكل خطأٍ سطرته في صفحة الماضي ..!
لكن كيف يمكن للإنسان أن يغفر لنفسه إذا كانت المغفرة ليست من صلاحياته .. ؟ وإذا كان هو كإنسان غير مؤهل لأن يقوم بفعل المغفرة ..
المغفرة من خصائص الذات الإلهية لأن الله وحده هو القادر على أن يغفر . ... لماذا ؟ لأن كلمة المغفرة تعني ( محوالذنب ) بحيث لا يترتب
على هذا الذنب بعد ذلك أي عقاب إلهي فيصبح الذنب كأنه لم يكن .. ومن يستطيع أن يضمن أن الله لن يعاقب الإنسان على ذنب اقترفه إلا الله
نفسه ؟؟ لأن الله المتصف بالعدل من شأنه أن يقتص لأصحاب المظالم والحقوق ممن ظلمهم واعتدى عليهم وحرمهم حقوقهم ، الله يقيم العدل بين
عباده ومخلوقاته بمعاقبة المجرمين على ذنوبهم التي لم يستغفروا الله عليها ويتوبوا منها فيندموا ويصلحوا ما قاموا بإفساده . والإنسان المذنب قادر
على أن يقول لنفسه (( أنا أغفر لك بالكامل عن كل شيء )) هو قادر على ذلك لأنه يحب نفسه حباً غير مشروط ..لكن المشكلة تكمن في مصداقية هذه المغفرة .. فهل مغفرة الإنسان لنفسه تلزم الله تعالى بأن يثبت تلك المغفرة عنده فيمحو الذنب ويعفو عن صاحبه فلا
يحاسبه ولا يعاقبه عليه يوم الحساب ؟؟ وكم ستكون المفاجأة غير سارة عندما يفاجأ الإنسان يوم الحساب بأن الذنوب التي غفرها لنفسه مازالت
مسجلة في كتاب اعماله ..فقد كلف الله الملائكة بتسجيل كل صغيرة وكبيرة من فعل او قول يصدر عن الإنسان في كتاب محفوظ عند الله قال تعالى
(( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) [ ق:18-17]
وقال ((ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا
حاضراً ولا يظلم ربك أحداً )) [ الكهف : 49 ]نعم يستطيع الإنسان المظلوم أن يسامح ظالمه بأن يسقط حقه في أن يقاصصه الله ليعيد الحق
للمظلوم وذلك لأن الحق في النهاية سيعود إليه وهو من شأنه الخاص .. إذا شاء . فهو قادر على أن يسامح غيره لأنه حر في حقوق نفسه بعد
الحصول عليها أما مسامحته لنفسه فهو غير قادر عليها إلا بالظاهر من القول لأن الحقوق فيها تعود لغيره فالظالم هنا هو نفسه والمظلوم
هو غيره فكيف يمكنه أن يمنع المظلوم من تحصيل حقوقه التي تعهد الله العادل بأن يوفيه إياها يوم القيامة . .. بكل بساطة هذا ليس من شأنه بل من شأن الله ..
إذاّ ... ما هو الحل ؟؟
الحل : أن يستجدي الإنسان المذنب ربه ويسأله المغفرة... أن يستغفر الإنسان الله الذي يغفر الذنوب جميعاً .. ومن يغفر الذنوب إلا الله ؟؟ فهو أهل المغفرة . وليس أحد سواه ... وليس من صلاحية أحد غيره أن يغفر للظالم .. لأنه قادر مع مغفرته للظالم أن يعوض المظلوم حقوقه ويجزيه بمقابلها ما يكافئ ألم إساءة الظالم إليه ...
وإن علامة غفران الذنب أن يستمر الإنسان بالاستغفار كلما تذكر الذنب . فعلى الرغم من انه يستحسن له ان ينسى إساءة الآخرين إليه كي يدرب
قلبه على الحب وينظفه من الحقد .. فليس المطلوب من الإنسان أن ينسى ذنبه وإساءته هو للاخرين بل عليه أن لا ينسى ذلك أبداً لأن عدم نسيانه
يؤكد رقيه واختلافه في الحاضر عما كان عليه وقت ارتكاب الذنب .. فهل يعيق تذكره لذنوبه مسيرة حياته ؟ على العكس تماماً .....الثقة بمغفرة
الله له تتأكد عنده كلما استغفر الله اكثر من كل ذنوبه .؟؟ وكل ذلك يحوله فعلاً إلى ذلك الكائن البريء الذي يطرح نفسه بين يدي الله معلناً براءته
ومستجدياً تصديق هذه البراءة .وهذا يعني انه لن يكون من الجيد له ان يشعر بتمام الرضا عن نفسه لأنه في حقيقة الأمر ما من إنسان إلا هو محتاج للعفو من الله
في كل لحظة . [/font] | |
|