يرفض علماء النفس من السلوكيين الاعتراف بوجود غرائز عند البشر ويقصرون وجود الغرائز - مع التحفظ على طبيعتها - على الحيوانات فقط .وقد استخدم علماء السلوك تعبير بديل لتعبير (الغرائز Instincts ) عند الإنسان هو ( قوى الدوافع الإنسانية ) التي تتعلق بالجنس والعدوان أو الموت والحياة. وحصروا ظهور السلوك الغريزي عند البشر في بعض ردود الأفعال الانعكاسية التي تكون خالية من التكيفات البيئية مثل سلوك الرضيع الذي يضع أي شيء بمتناول يده في فمه ، كما عدوا بعض الميزات الإنسانية عند الإنسان البالغ كغرائز مثل النوم ،وتعبير الوجه عند الاشمئزاز(القرف) .
لكن بعض سلوكيات الإنسان التي تبدو ذات جذور عميقة في شخصيته توحي بأنها موجهة من غرائز قوية تتحكم بالنفس البشرية .وأرى أن الحاجة للشعور بالانتماء إلى الجماعة غريزة عند الإنسان كما هي عند الحيوان . ويبدو أن غريزة الانتماء للجماعة هذه تقتضي وجود غريزة ثانية هي الولاء لتلك الجماعة.. ويبدو الفرق بين الغريزتين في أن إحداهما وهي غريزة الانتماء تغتذي من نشاطات الأخرى .لذا فإن سلوكيات الولاء للجماعة عند الإنسان الفرد تعمل في اتجاهين : فمن جهة هي من مستلزمات غريزة الانتماء لأنها تقويها ، ونستدل على ذلك من العلاقة الطردية بينهما فبقدر ما يزداد الشعور بالانتماء للجماعة تزداد الرغبة بالولاء لها ، وبالعكس كلما ازداد التعبير عن الولاء للجماعة ازداد الشعور بالانتماء إليها . . ومن جهة ثانية فإن سلوكيات الولاء تؤدي دورها الأساسي والأهم في المحافظة على اتساق وانسجام الشخصية أو المحافظة على ما يمكن تسميته بـ (طابع الشخصية ) .
القاعدة أن تصرفات الإنسان في سلوكه العام يجب أن تنسجم مع طابع شخصيته لذلك تبدو تصرفات الإنسان مثل سلسلة مكونة من حلقات يترابط كل منها مع ما سبق ومع مايأتي. فآخر التصرفات في اللحظات الماضية يؤسس لأول التصرفات في اللحظات القادمة . وهذاما يتيح المجال عند مراقبة سلوك إنسان معين لتوقع ردود أفعاله المقبلةوفقاً لردود أفعاله السابقة ، وينطبق هذا الكلام على تصرفات الساسة من قادة الدول في السياسات العامة خلال مراحل معينة ، وهذا ما يتيح المجال للمحللين السياسيين بناء تصوراتهم العامة لفهم وإيضاح ما هو كامن خلف السلوكيات السياسية لدولة معينة وماهو متوقع منها . .
يتبع . . .