رجل متهم بارتكاب جريمة قتل ...هو ينفي الاتهام الموجه له ، لكن المحقق الجنائي يميل لإثبات التهمة عليه بسبب استدلاله بالحس الإحصائي..هذا الحس تشكل لدى المحقق بسبب اجتماع عدةقرائن أو أدلة عامة ضعيفة تشير إلى ارتكاب الرجل تلك الجريمة . فهناك مصلحة للرجل تتحققبارتكاب الجريمة ، كما أن المتهم يمتلك النوعية نفسها من السلاح الذي استخدم في القتل ، وهناك من يشهد بأن المتهم قد قام فعلاً بتهديد الضحية بالقتل في وقت سابق ، فضلاً عن أن المتهم لم يكن دقيقاً في تحديد مكان وجوده وقت ارتكاب الجريمة ....من الواضح أن هذه القرائن كلها أدلة عامة تقبل التفنيد والدحض بسهولة بسبب عموميتها التي تجعلها أدلة ضعيفة ، لكنها في الوقت نفسه تساعد على تقبل ثبوت التهمة على الرجل بسبب تعددها ،لأن التعدد يدعمها ويقويها ويجعل لها تأثيراً في عقل المحقق .فهي تشكل لدى المحقق ميلاً للاقتناع باحتمال أن يكون المتهم قد ارتكب الجريمة فعلاً على الرغم من وجود الاحتمال الآخر الذي يفيد ببراءته . ومن المؤكد أن هذا الميل سيصبح أكبر كلما ازداد عدد الأدلة التي تقوي من احتمال ارتكاب المتهم للجريمة.
المحقق الجنائي قد يغره رجحان عدد الأدلة الضعيفة فيحاول بشكل لا شعوري أن يزيد من تجميع هذه الأدلة مع الإعراض لاشعوريا عن التفكير في الاتجاه المعاكس لنفي التهمة عن المتهم .لأن الحس الإحصائي لدى المحقق الجنائي سينمو في الاتجاه الذي حقق الرجحان في عدد القرائن على حساب الاتجاه المعاكس . ومن ثم فإن هذا يدفعنا للتفكير بضرورة وجود جهة قانونية مقابلة لجهة التحقيق الجنائي كي تعمل على تجميع القرائن في الاتجاه المعاكس لإثبات براءة المتهم وهي بالطبع جهة محامي الدفاع عن المتهم .
لكن ليست كل القضايا التي نصدر فيها أحكامنا قضايا قانونية ...لذا فإن الحس الإحصائي في قضية شخصية خاصة عاطفية أو اجتماعية أو فكرية قد لا يقابله وجود جهة للدفاع لتعمل في الاتجاه المعاكس.. وهكذا فقد نبني أحكامنا الخاطئة بالاعتماد على الاستدلال بالحس الإحصائي الذي قد يجر علينا الشعور بالندم بعد ذلك . . .
أدق تعريف لما أسميه (الحس الإحصائي) يمكنني صياغته كما يلي : الحس الإحصائي :هو الشعور المتنامي بالميل لإثبات حكم احتمالي معين دون غيره بسبب تزايد عدد الأدلة العامة غير القطعية التي تدل على ثبوته ) فأما كلمة( الحس ) فتأتي من الشعور الجارف بالميل نحو اتجاه دون آخر وأما كلمة (إحصائي ) فلأن هذا الحس يعتمد في نشوئه وتقويته بالدرجة الأولى على إحصاء (تعداد ) الأدلة غير القطعية التي يقوي تعددها تأثيرها في ذهن الباحث.