[]الغرض الثاني للكتابة هو الإثارة للمتلقي لنقل حالة الشاعر إليه والتأثير فيه وينجم عنه متلازمة الإثارة - المبالغة .
فالإثارة فعل الشاعر الأساسي الذي يناط به عمله الفني.....ويحتاج الشاعر لممارسة الإثارة لأنها الأداة التي يبدأ الاتصال عبرها مع المتلقي البعيد ...فهي بمثابة رنين الهاتف الذي ينبه ويجذب من يود محادثته كشاعر .لذا فإن هذا التنبيه (صوت الرنين ) ينبغي أن يكون بشدة مناسبة كي تلفت انتباه المتلقي الذي قد يكون محاطاً بالضجيج ...أي ينبغي أن تكون الإثارة قوية كي تدفع القارئ للاتصال مع الشاعر عبر نصه ..وكيف تكون الإثارة قوية ؟
الأمر بسيط للغاية ... لابد أن يشعر القارئ بأنه معني بذلك الرنين كي يوافق على الاتصال ,,وهذا يعني أن الإثارة تكون موجهة للقارئ باستعمال رقمه الخاص ...إذن لا بد أن يستعمل الشاعر وخاصة في منطقتي عنوان النص وفاتحته مفردات ذات طبيعة حساسة موجهة حسب المضمون الذهني والجمالي الذي يرغب الشاعر بإيصاله وكذلك حسب الفئة المستهدفة من المتلقين..فهنا تبرز أهمية أن تكون المفردات ذات مدلول اجتماعي ثقافي عمومي أقرب ما تكون للمصطلحات المتفق عليها بين الشاعر والشريحة الثقافية التي ينتمي إليها المتلقي المطلوب جذبه ..فالحس الإعلامي الدعائي عند الشاعر يؤدي هنا دوراً حاسماً في اختيار تلك المفردات لتكون مصيدة للقارئ ...كي يرغب بفتح أذنيه جيداً ..من المتوقع في هذه الحال أن يمارس الشاعر فعل الإغراء الرمزي المرتبط بالمضمون ( محتوى الموضوع ) المطلوب نقله للمتلقي ...والإغراء كما هو معروف يتسم بنوع من الإبهار الناجم عن زيادة إثارة حاجات المتلقي ..بالمختصر المفيد ينبغي أن تقوم الإثارة بمداعبة الحاجات والدوافع الغريزية للمتلقي كدوافع الحب الجنسي في شعر الغزل أو الحب الإلهي في شعر المتصوفة أو دوافع الأخلاق النبيلة في شعر الحكمة ...أو تقوم بالتلميح لمعالجة القضايا الحساسة المرتبطة بالحياة النفسية للمتلقي كمواضيع الثورة في هذه الأيام ...وهكذا ..طبعا هذا يعني أننا فصلنا الآن بين المواضيع الخاصة بالمعالجة الشعرية والمواضيع الأخرى التي يمكن تناولها في الأنواع الأخرى من الكتابة ..والتي تخص الصحافة أو العلوم الاجتماعية والإنسانية فمثلاً ..لا يمكن تناول موضوع يتعلق بالخدمات التحتية في المجتمع كمحور لنص شعري ..وقس على ذلك مواضيع أخرى تتعلق بالإدارة أو التجارة أو الفكر من المواضيع الباهتة في الشعور ،إنما مجال الشعر مختص بكل ما يضطرب له الشعور والوجدان بلذة او ألم ...فالإثارة تكون إما للذة أو للألم في نفس المتلقي وكي يتم الإغراء وتحقق الإثارة هدفها في الجذب فإن ذلك يستلزم الاعتماد على خاصة المبالغة والزيادة في تصوير ما هو مطلوب للتلذذ أو ما هو مطلوب للإيلام النفسي ...فبغير المبالغة تفشل الإثارة ..والتلازم بينهما لا مفر منه في الحالة الشعرية عند الشاعر. والشاعر يمارس ذلك بموهبته الفطرية دونما انتباه أثناء الكتابة ، كما يمارسه كمطلب فني بوعيه وإتقانه.. فيجدّ عند ذلك في طلب الفاتن من المعنى أو الصورة الشعرية باتباع نهج المبالغة ..وهو مضطر لهذه المبالغة لتحقيق فعل الإثارة الضرورية لامتلاك وعي المتلقي .ويمارس الشاعرالمبالغة بالاعتماد على فنون البلاغة الثلاثة ( التشبيه والاستعارة والكناية ) لإضفاء التضخيم على الصفات الواقعية ..فلو أخذنا على سبيل المثال بيتاً من شعر الغزل القديم ليزيد بن معاوية ما زال المتذوقون يعدونه من عيون الشعر العربي الجميل :
وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت.......... وردا وعضت على العناب بالبرد
وقمنا بتجريد الصور الشعرية في هذا البيت من المبالغة المستمدة من البلاغة لأمكننا شرحه كما يلي :
بكت فتساقطت قطرات دموعها من عينيها وجرت على خديها الأحمرين وعضت بأسنانها البيضاء على شفاهها الحمراء ...
فانظر ما الذي تفعله المبالغة في إثارة مشاعرنا وفي مقدار المتعة التي تضفيها على تذوقنا لجمال الصور الشعرية في هذا البيت قبل تجريده من المبالغة وانظر كيف أصبح باهتاً بعد تجريده منها .. ....يتبع