قال تعالى : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا (7) الكهف.
فسرُّ الابتلاء كامن في الزينة التي هي نقطة الضعف في فطرة النفس البشرية .
إن فطرة الإنسان تجعله ضعيفاً تحت تأثير قوة الجمال في نفسه . بل إن هذه الفطرة في حب الجمال تدفعه لركوب الأهوال سعياً لمعانقة الجمال والتقرب منه .
فللجمال أسرار تجعله مريحاً للنفس حتى تنجذب إليه ولا تكاد تطيق التحرر من سلطانه .
بعض تلك الأسرار : الحيوية .
الحيوية التي هي ضد الموات . فكلما ازدادت الحيوية في الجمال أكسبته مصداقية قوته الذاتية المضادة للموت . وكأن حيويته تبشره بتحقيق مطلب الخلود .لمصلحة إشباع دافع الحياة.
والنفس تطمع للدوران حول مركز القوى لأنها بانجذابها تضمن عدم انفلاتها وعدم ضياعها ، فبهذا تستمر وتستمر وتستمر . وكأنها تحاول الخلود في استمرارها وكأنها تكتسب المزيد من القوة بدورانها حول القوي .وإن الشعور بالانجذاب هو شعور بالإنمساك الذي هو جوهر الحب الذي يتجلى بارتباط النفس مع جاذبها .
لكن الحيوية تتجلى بخاصتين اثنتين هما النضارة والحركة .
فالنضارة هي الامتلاء الخالي من العيوب . والحركة هي سر القدرة على الإدهاش بالفاعلية .وفي حين تجسد النضارة ذاتية الجمال في بعده الداخلي . تجسد الحركة فاعلية الجمال وقدرته على التأثير في بعده الخارجي . وهكذا يتسع الجمال ليكون مجالاً مفتوحاً يسمح للخيال بالإحاطة به . ولولا هذا الخيال لكان الجمال مغلقاً بماديته . على أن الحيوية تضفي الخيال على مادية الجمال فتجعله حقلاً من طاقة جاذبة غامضة . وبذا تعلق فيه النفوس ولا تحب الإفلات منه أو الابتعاد عنه .وبذا نفهم أن جزءاً من تعلق النفوس بالجمال يتأتي من الحيرة التي يولدها بغموضه وانفتاحيته عبر الخيال الملازم له. ثم بالرغبة في اقتحامه واكتشافه وفهم غموضه . فإذا ما تم ذلك الاكتشاف، وفقدت الدهشة أو الحيرة التي يسببها الجمال ، تقوضت أركان الجمال وزالت قوة تأثيره .
يتبع بإذن الله