أ
أعتقد أن الوعي "بالذات و اللاذات " ما هو إلا حقل من طاقة معينة، ذات نوعية خاصة، تنتشر في مجالات محددة من بنية الذرة العميقة، محيطة ببعض الجسيمات ضمن النواة ( البروتونات أو النيترونات ) ،أو تنتج عن التجاوب الطاقي في العلاقة ما بين البروتونات والإلكترونات .أي أن المستوى الذي يتشكل فيه الوعي ،هو أدق بكثير من مستوى البنيات العصبية، ضمن قشرة المخ، أو ضمن النظام الشبكي ..
بمعنى آخر ، إن نشوء الوعي لا يتطلب أية بنية عصبية مهما كان مستوى تعقيدها ؛ والدليل على ذلك وجود حالة الوعي عند وحيدات الخلايا التي لا تمتلك أية بنيات عصبية . فكما يقول الأستاذ الباحث نبيل حاجي نائف : ((إن الوعي بالذات موجود عند وحيدات الخلايا، وإن الوعي بالذات واللاذات يشكل حجر الأساس في االنشاط المناعي ؛إذ لا بد من تمييز ما هو غريب عن الذات ليتم تجنبه بابتلاعه أو بالهروب منه ،عما هو منتم ٍ للذات للمحافظة عليه ..أو حتى من أجل إنجاز عملية التكاثر الجنسي ..)) فكيف ينبثق الوعي عند هذه الكائنات ؟؟؟؟؟
وبما أن وحيدات الخلايا هي أبسط الكائنات الحية،التي يمكن الاعتراف بها في العالم الحي، بوصفها كائناتٍ قادرة على القيام بجميع وظائفها الحيوية، فإن فكرة التعقيد العصبي تصبح غير مقنعة، لتكون سبباً لنشوء وانبثاق الوعي بالذات واللاذات ..
وربما يجب التوقف قليلاً عند الآليات المعقدة التي تتم بها العمليات الحيوية على مستوى المركبات الكيميائية، ضمن الخلايا الحية النباتية او الحيوانية، كعملية التمثيل الضوئي ،والتنفس وبناء البروتين وما شابه ...
فهذه العمليات ذات جدوى حياتية كبيرة .وهي منسقة ومنظمة بدرجة مذهلة، ولا يمكن التصور معها أنها تحدث دون وعي .لأن هذه الآليات ببساطة ، تشبه إلى حد كبير آليات التفكير التسلسلي المنطقي ( السببي )
مما يوحي بأن نواة الخلية الحية،التي تشرف على جميع العمليات الحيوية للخلية:من تنفس وهضم وبناء ( نمو ) وتكاثر وغيرها، إنما توجه هذه التفاعلات ضمن حالة واضحة من الوعي على مستوى الخلية، بحيث تجد أن سلوك الخلية الحية مهما كان نوعها إنما هو سلوك على درجة عالية من الوعي...
وخذ على سبيل المثال: كيف أن فطر الخميرة ( خميرة الخبز ) وهو كائن وحيد الخلية، يغير طريقته من التنفس الهوائي بوجود الأوكسجين إلى التنفس اللاهوائي ( التخمر ) بغياب الأوكسجين، للتكيف مع الظروف البيئية الجديدة والمحافظة على الحياة ..فما تفسير ذلك ؟؟
إن نواة خلية هذا الكائن قد تصرفت كما يتصرف المخ في الكائن العاقل عندما يتعرض لمأزق ما؛ فقد استطلعت الوضع في البيئة المحيطة بجسم الخلية وناقشته فوجدت أن استمرار التنفس بطريقة التنفس الهوائي سيضر بالخلية لعدم توفر الأوكسجين؛ لذا فلا بد من إيجاد حل، والحل هو التحول إلى التنفس اللاهوائي . وهنا أصدرت الأمر بهذا التحول كحل مؤقت، ريثما يتوفرالأوكسجين مرة أخرى .فأي مستوى من الوعي هذا ؟؟؟؟؟...
الخلية الحية مهما كان نوعها لها إدارة مركزية لشؤونها تتولاها نواة الخلية .لكن ضمن نواة الخلية وعندما يحدث الانقسام من الذي يتولى إدارة تضاعف الحمض النووي DNA ، وانحلال الغشاء النووي، وتشكيل مغزل الانقسام اللالوني، ثم إنجاز وإكمال مراحل الانقسام بدقة متناهية ؟؟؟!!!هل هناك مستوى أكثر دقة من الوعي يقود نشاط المركبات النووية ؟؟؟
لا بد من وجود وعي على مستوى أدق من نواة الخلية يقود هذه العمليات المعقدة وينظم تحولاتها ..
مثال آخر من الفيروسات التي لا تمتلك بنية خلوية حتى : والتي لا تمتلك القدرة على التنفس أو التحرك أو التغذي أو النمو .هي فقط تتكاثر. وليس لديها القدرة على التكاثر دون الاستعانة بالمركبات الكيميائية والبنى الخلوية الخاصة بالخلايا التي تصيبها، أو تتطفل عليها .كيف تستطيع أن تقود عملية تفكيك الحمض النوويDNA للخلية التي تتطفل عليها ؟ وكيف تستطيع تسخير بنى الخلية المضيفة ومركباتها لتنسخ لها المادة الوراثية الخاصة بها( بالفيروسات ) وتبني لها ما تحتاج إليه من البروتينات والمواد الدسمة وغير ذلك مما يدخل في تركيب غلافها ؟؟كيف يمكن أن يحدث ذلك دون وعي ..؟؟؟
لا بد من وجود مستوى من الوعي ينجز كل ذلك ..
أكثر من ذلك، لا يمكنني تصور أن ذرة عنصر ما تتحد مع ذرة عنصر آخر ، لتشكيل مركب كيميائي يساعد كلاً من الذرتين على التوازن دون وعي من الذرتين .
في بنية الذرة العميقة لا بد من وجود مستوى من الوعي يجعل نواة ذرات العناصر الثقيلة المشعة كاليورانيوم مثلاً تمارس نشاطها الإشعاعي لتتحول إلى عنصر آخر ( الرصاص) كي تصل إلى حالة معينة من الهدوء والتوازن ..
هناك وعي في ذرات العناصر ..ببساطة أريد ان أقول إن الوعي موجود دائماً وهو مرافق للمادة ..هو طاقة تحيط بالمادة ..وما يجعلنا لا نشعر بهذه المستويات المتعددة من الوعي في خلايا جسمنا أو في ذرات عناصر مادتنا هو أن هذه المستويات المتعددة من الوعي غير قابلة للحفظ في ذاكرتنا التي أعدت كي تتعامل مع السيالات العصبية فقط ..
من الواضح أن ثمة فارق مهم، ما بين الوعي الذي تتمتع به وحيدات الخلايا أو الذي تتمتع به الفيروسات او حتى ذرات العناصر المفردة عن الوعي الذي نتمتع به نحن .هذا الفارق يتجلى في أن وعينا نحن مدعوم بالبنى العصبية للذاكرة التي تجعله محفوظاً لنا بحيث يمكننا العودة إليه عن طريق التداعي أو عن طريق التذكر .
أما تلك المستويات الأدنى من الوعي فهي تنبثق آنياً وتتجدد آنياً فتلك الكائنات ( الذرات والمركبات الكيميائية والفيروسات والخلايا الحية النباتية والجرثومية والفطرية وحتى الخلايا في أنسجة جسمنا تمارس وعيها بشكل متجدد وآني ..نعم الكائنات كلها واعية .