قراءة في كتاب (في علم الجمال ) د.مبارك حسن الخليفة *

تعريف علم الجمال

[color=darkred]يمكن تعريف علم الجمال بأنه علم تمثل الإنسان للعالم تمثلاً جمالياً محكوماً بالقانون . فهو العلم الذي يدرس القوانين

العامة لتطور علاقات الإنسان الجمالية بالواقع وخاصة الفن كشكل مميز من أشكال الوعي الاجتماعي.

وعلم الجمال مرتبط بالعلوم الاجتماعية المختلفة وخاصة الفلسفة ..فقد تكّون في قلبها ، ولتاريخه علاقة أكيدة بتاريخها

من تاريخ علم الجمال

كان لا بد من مرور زمن طويل منذ نشأة ما عرف بعلم الجمال ، حتى يتضح أنه يكوّن حقلاً خاصاً ضمن إطار

الفلسفة وحتى يطلق عليه مصطلح (( الأستاطيقا )) . لكن هذا العلم كان قد نشأ فعلاً منذ عهد العبودية في الشرق القديم . وأفضل صياغة لعلم

الجمال القديم هي الدراسات التي جرت حوله في العصر العبودي عند الإغريق .

علم الجمال عند الإغريق

يرجع تاريخ علم الجمال إلى القرن السادس قبل الميلاد حيث بلغت الفلسفة اوج تطورها في مجتمع الرق في بلاد اليونان ،

وقد أحرزت الأفكار الجمالية قمة تطورها في الفترة ما بين القرنين السادس والثالث قبل الميلاد . فقد ظهرت الملاحم وازدهرت الأشعار العاطفية

والدراما والخطابة والروائع في العمارة والنحت ، وكانت كلها تربة خصبة نما فيها علم الجمال ، رغم أنه كان في صورته الجنينية .

لقد اعترف مؤسسو الماركسية اللينينية بالقيمة الرفيعة للثقافة اليونانية القديمة . يقول ماركس: ( إن هذا الفن

لا يزال يعطينا المتعة ويبقى إلى حد ما مقياساً ونموذجاً لا يمكن التوصل إليه . )

ويرى إنجلز أن النظرة الفكرية الديالكتيكية تظهر في الفلسفة الإغريقية في بساطة بدائية ، ذلك أن الإغريق

ينظرون إلى الطبيعة كوحدة كاملة ، وككل لا يتجزأ ، وما ذلك إلا لأنهم لم يتوصلوا إلى تجزئة وتحليل الطبيعة

...ويرون ان الترابط بين ظواهر الطبيعة هو النتاج المباشر للتفكير والتأمل ..وهذا هو مصدر النقص في

الفلسفة اليونانية ..ومع ذلك فهي في نظر أنجلز تتفوق على كل الفلسفات الميتافيزيقية التي جاءت بعدها .

وهنالك جانب آخر يشير إليه إنجلز وهو أن الفلسفة اليونانية احتضنت بشكل جنيني وفي طور الظهور جميع

النظريات التي جاءت بعد ذلك تقريباً .

إن ما قاله ماركس وإنجلز حول الفن والفلسفة اليونانية القديمة ينطبق على علم الجمال القديم . ففي هذا

المجال ظهرت أيضاً بصورة جنينية جلّ النظريات الجمالية المختلفة التي تلت ذلك العصر ، فقد حدد

مفكرو العصور القديمة أهم مسائل علم الجمال مثل مسألة علاقة الوعي الجمالي بالواقع وطبيعة الفن وكنه

عملية الإبداع ، ومكانة الفن في حياة المجتمع ، وحللوا أهم مقاييس الجمال ووضعوا المصطلحات الأولى لهذا العلم .

ونجد هذه المصطلحات عند الشعراء والفلاسفة ، فقد ظهرت في أشعار هوميروس الذي استعمل تعبيرات مثل (الرائع والجمال والتناسق ) .
والفيتاغوريون الذين أعلنوا أن العدد جوهر الأشياء رأوا أن العالم ليس إلا معرفة الأعداد التي تسيره ،

وعندهم أن هارمونية الأعداد هي القانون الموضوعي الذي يسيّر كل ظواهر الحياة ، وهذا القانون الموضوعي

الذي يقاس بالأرقام هو في رأيهم أساس الظواهر الجمالية فمثلاً يقولون ان خاصية النغم الموسيقي تتعلق بطول الوتر المهتز .

ويرى هيرقليط (530- 470 ق.م) ان التناسق أساس الجمال ، وأن الجمال والتناسب والإبداع انعكاسات

لصفات وعلاقات العالم الموضوعي . إذن فالجمال صفة لعالم الأشياء ولكنه صفة نسبية ، وعند هيرقليط أن

أجمل فرد في الوجود قبيح إذا ما قيس بجنس الإنسان ، وأن اجمل إنسان هو بمثابة القرد إذا ما قيس بالإله .

وأما سقراط ( 470 – 399 ق. م) فقد ابتعد في آرائه الجمالية عن المادية فقد كان مثالياُ في آرائه الفلسفية

الشاملة ، وتحتل فلسفة الطبيعة لديه مكاناً ثانوياً . فقد توجه إلى مسائل الأخلاق وكان يعتقد أن الإنسان

فاضل بقدر ما يعرف ما هي الفضيلة . أي بقدر ما يعرف كنه ما هو رائع وخيّر ، وعليه فالرائع عنده هو المفيد والهادف والجيد والخيّر ، وهو

يتحدث هنا عن الخير المطلق .


[color=blue]وجاء افلاطون ( 477-347 ق.م ) ليطور علم جمال أستاذه سقراط ، ويتحدث أفلاطون عن عالم المثال ، عالم

الصورة الخالدة الثابتة ، ويعني صور مراتب الكمال التي هي من خلق الله ، كصورة الحب والحكمة ، وهو

العالم الحقيقي ، وما عالمنا هذا إلا انعكاس له ، وعليه فإن الرائع حسب راي أفلاطون غير موجود في العالم
،
بل في عالم المثال وهذا المثال أعلى ولا ينشأ ولا ينعدم ، إنه خارج الزمان والمكان ، والحركة والتغير

غريبان عنه ، وبما أن الجمال يحمل طابع ما فوق الشعور فالتوصل إليه لا يكون بالمشاعر وإنما بالعقل .

أما أرسطو ( 384-322) فقد انطلق من الوقائع الملموسة في معالجة المسائل الجمالية وذلك على عكس

استاذه افلاطون الذي كان يعتمد غالباً على التأمل العقلي، والجميل عند أرسطو هو الشيءالكامل والمحدود

الكائن العضوي إذا كان صغيراً جداً لا يمكن ان يكون جميلاً لأن إدراكنا له يصبح غامضاً ...وكذلك إذا كان

عظيماً جداً لا يمكن ان يحيط به النظر ؟


علم الجمال عند الرومان

عالج الرومان مسائل علم الجمال ، وتحدثوا عن نشأة الفن وضرورته ، ووضعوا القواعد المختلفة للفن وعملية الإبداع ،

ومن هؤلاء لوكر أسيوس ( 99- 55 ق.م ) الذي عالج مسائل علم الجمال على أساس الفهم المادي للعالم ، فهو يطور في قصيدته ((حول

طبيعة الأشياء ) فكرة ثبات القوانين الطبيعية المستقلة كما يؤكد خلود وعدم ضياع المادة ، فالفن عنده نشأ بواقع الحاجة أي المطلب الإنساني

وهو محاكاة لمختلف ظواهر الطبيعة .

وأما كوينت ( 65- 8 ق.م ) فقد عرض آراءه الجمالية في رسالة إلى الشعراء كتبها على شكل قواعد تقريرية ، أكد فيها على الدور الحاسم

لمحتوى العمل الفني، وطالب الشاعر بثقافة فلسفية ، كما طالبه بالمحافظة على الوحدة والبساطة والصدق .

هذا وقد انتعشت الأفكار في العهد الهلليني ولكن لم يدم هذا الانتعاش طويلاً ، فقد برزت مجتمعات الرق وأخذت الإمبراطورية الرومانية في

الانحطاط فتزعزعت قيم المجتمع العبودي لتفسح المجال لقيم جديدة ، وقد عبر أفلوطين ( 204- 270 )عن افكار عصر انحطاط الإمبراطورية

الرومانية بما فيه من تفسخ اجتماعي وروحي .

لقد وضع أفلاطون أسس المذهب الفلسفي الذي سمي باسم الأفلاطونية الحديثة ، إن عالم أفلاطون هو عالم الإشعاع الذي يستمد قوته المشعة من

القوة الإلهية ، وإن غاية الإنسان العودة إلى الله عن طريق التنسك والتقشف والفناء الروحي في الذات الإلهية .

وحين درس أفلوطين علم الجمال درسه على أساس صوفي ، فالأشياء رائعة من خلال احتكاكها بالأفكار وعنده أن الجمال الذي تستوعبه مشاعرنا

هو أحط أنواع الجمال وأن الروح كلما تخلصت من الأشياء المادية كلما اقتربت من الرائع ، وقد أثرت فلسفة أفلاطون على فلاسفة الغرب في

العصور الوسطى .

علم الجمال في العصور الوسطى

انهارت الإمبراطورية الرومانية وحلت المجتمعات الإقطاعية محل المجتمعات العبودية ، ولعبت الرومانيات في تلك المجتمعات الجديدة

دوراً كبيراً ، وقد كانت الكنيسة نفسها مؤسسة إقطاعية لها قوة اقتصادية وسياسية وأيديولوجية ذات نفوذ . وقد لوحظ في الفترة الأولى من

العصور الوسطى انهيار الاقتصاد والتجارة والحرف والثقافة . وقد أصبحت ثقافة ذلك العصر احتكاراً لرجال الدين ، فظهر الأدب الكنائسي في

أناشيد وأشعار روحية وسيرٍلقديسين وتفسير التوراة في الدراما الكنائسية ، ويلاحظ الشيء نفسه في الرسم والهندسة المعمارية والموسيقى .

وقد نبع الفن من التعاليم الدينية المسيحية القائلة بضآلة الوجود الدنيوي والذي هو صدى ضعيف لما هو في السموات ، ومن هنا جاء الاستخفاف

بالعالم المحسوس .

وكان أول الباحثين في علم الجمال آباء ومعلمو الكنيسة الذين وضعوا الأسس الجمالية التي أصبحت فيما بعد أساس الفن الرسمي في العصور الوسطى .

وقد عرف أساقفة الكنيسة قوة الفن المؤثرة لهذا عمدوا إلى استعمال هذه القوة في خدمة الكنيسة . وكانت علاقتهم بالفن متناقضة ، فهم من ناحية

يدينونه ، ومن ناحية أخرى يحاولون ترويضه لخدمتهم ، وهذا التناقض يبدو أكثر وضوحاً عند القديس أوغسطين (1345- 1430) الذي يعتبر

من أبرز الداعين للكنيسة الكاثوليكية ، وقد وقع تحت تأثير الأفلاطونية الحديثة .

وفي الفترة الثانية من القرون الوسطى الممتدة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر حدثت تغييرات هامة في حياة الشعوب ، وذلك بعد نمو

القوى المنتجة وتطور الحرف والتجارة الأمر الذي أدى إلى انتعاش المدن، فأثر كل ذلك على نمو الحضارة والثقافة ، فحدثت تغيرات جديدة في

الفن مثل تطور الفن الشعبي وظهور الأدب المرتبط المدينة ، وقد انعكس ذلك على المفهوم الجمالي .

وبرز من المهتمين بعلم الجمال الراهب توما الأكوين(1225- 1274)الذي كان هدفه الأساسي تكييف تعاليم أرسطو مع فلسفة الدين المسيحي

الأمر الذي لم يوصله إلى حل صحيح للمسائل الجمالية .

يتبع بـ علم الجمال في عهد تشكيل العلاقات الرأسمالية أو ( عصر النهضة )


د. مبارك حسن خليفة ( في علم الجمال -الأستاطيقا ) 1984 - دار الهمداني للطباعة والنشر - عدن